يؤديــن هــذا العمــل شــأن الرجــال، وكان الســوط ال يســكن أبــدا علــى ظهــور العبيــد طــوال اليــوم مـن الصبـاح حتـى الليـل، حثًــا علـى العمـل بهمـة وبأسـرع مـا يمكـن وخاصـة فـي أيـام جمـع القطـن. وبرغــم تلــك المشــاهد المؤلمــة، فإننــي لــم أفقــد اإلحســاس بجمــال مشــهد حقــل القطــن حيــن يزهــر، فيبــدو مثــا للنقــاء، وكأنــه مســاحة طاهــرة مــن الضــوء أو الثلــج الــذي ســقط لتــوه مــن الســماء فــوق األرض. بانتهــاء يــوم العمــل فــي الحقــل تُحمــل الســال إلــى محلــج القطــن لوزنهــا، وكانــت تلــك لحظــات مرعبـة لـكل عبـد أو أمـة، ألنـه إذا لـم تكـن السـلة بالـوزن المطلـوب المبالـغ فيـه دائمـًـا، فـإن عـذاب الجلــد فــي االنتظــار. وبعــد الــوزن والجلــد الــذي يعقبــه، تحمــل الســال إلــى مخــزن القطــن ثــم إلــى المكبــس. وال ينتهــي بذلــك عمــل اليــوم، فهنــاك أعمــال إطعــام البغــال والخنازيــر وتقطيــع األخشــاب وغيــر ذلــك، ثــم إشــعال نــار فــي األكــواخ إلعــداد طعــام اليــوم التالــي، وأخيــرا يرتمــون للنــوم ســاعات قليلــة للســتيقاظ والعمــل قبــل شــروق الشــمس . كان العمـل األول الـذي كلفـت بـه عنـد السـيد إبـس هـو صناعـة مقابـض الفـؤوس، ثـم حـل موسـم عـزق األرض، فأرسـلت إلـى حقـل الـذرة ثـم إلـى قطـف القطـن، ولكـن ظهـرت علـي أعـراض المـرض والحمـى الشـديدة حتـى صـرت أترنـح وأقـع أثنـاء العمـل، ولمـا تفاقمـت حالتـي وقيـل إننـي أحتضـر، لـم يرغـب السـيد إبـس فـي تحمـل خسـارة حيـوان يملكـه قيمتـه ألـف دوالر، فوافـق علـى اسـتدعاء طبيـب. وكتبـت لـي النجـاة وتماثلـت للشـفاء جزئيـًـا، فلـم ينتظـر وأمرنـي بالعمـل فـي حقـل القطـن، ولـم تكـن لـي أي خبـرة بجمـع القطـن بكلتـا يـدي مثـل بقية العبيد، وحاولت وفشـلت في اكتسـاب المهـارة فيـه، وكانـت حصيلـة مـا أجمعـه أقـل ممـا يريـد، ولمـا أدرك إبـس أن التدريـب والجلـد غيـر مجدييـن بالنسـبة إلـي، نعتنـي بأننـي وصمـة عـار، وقـرر تحويلـي إلـي العمـل فـي تقطيـع األخشـاب ونقلهـا وسـحب القطـن مـن الحقـل إلـى المحلـج وأعمـال أخـرى قـد تلـزم، بحيـث ال تتـاح لـي لحظـة سـكون أو خلـو مـن العمـل. ولمـا كان قـد عَــرف وعرفـت زوجتـه أنـي أعـرف العـزف علـى الكمـان، فإنهـا راحـت تلـح عليـه أن يشـتري لـي آلـة كمـان أثنـاء زيارتـه لمدينـة نيوأورليانـز، ألعـزف لهـا، حتـى رضــخ أخيــرًا واشــترى الكمــان، وصــرت فــي أحيــان كثيــرة أســتدعَى إلــى داخــل منزلــه للعــزف أمــام األســرة، حيــث كانــت الســيدة مغرمــة بالموســيقى. وكثيــرًا مــا نجتمــع ـ نحــن العبيــد ـ فــي الغرفــة الكبيــرة فــي المنــزل الكبيــر، كلمــا عــاد إبــس إلــى المنــزل بمــزاج راقــص، وأبــدأ العــزف وهويصيــح راقصًــا: “ارقصـوا أيهـا الزنـوج الملعيـن، ارقصـوا..” وعـادة مـا يكـون ممسـكًا بسـوطه، ليهـوي بـه فــوق أذن أي عبــد يجــرؤ علــى التباطــؤ أو الراحــة لحظــة. كنــا نحــن العبيــد البؤســاء التعســاء نُجبــر علــى الرقــص والضحــك فــي ليــال كثيــرة حتــى مطلــع الصبــح، بينمــا كنــا مــن شــدة إرهــاق عملنــا
10 | اثنا عشر عامًا من العبودية
Powered by FlippingBook