الشـاق طـوال اليـوم نتمنـى أن نرتمـي فـوق األرض نتوجـع وننـام. كان هـذا الرجـل شـديد القسـوة وظالمًــا وطاغيـة، وكان كل عبـد وأَمـة عنـده يقاسـي عذابـات متنوعـة علـى يديـه، ولسـت أنسـى آالم اإلمـاء البائسـات، وبخاصـة الفتـاة باتسـي، التـى كانـت مـن سـالة زنـوج غينيـا الذيـن تـم جلبهـم إلـى كوبـا فـي سـفينة للرقيـق. كانـت فـي أوائـل العشـرينيات مـن العمـر نحيلـة ممشـوقة القـوام، فــي هيئتهـا وحركتهــا شــيء مــن الشــموخ لــم يُــود بـه الشـقاء والتعذيــب، سـريعة الجـري والقفــز فــوق األســوار العاليــة، ماهــرة فــي قطــع األخشــاب وترويــض الجيــاد وال يســتطيع أي جــواد أن يسـقطها عـن ظهـره، وكانـت بحـق ملكـة الحقـل فـي جمـع القطـن. أمـا طبيعتهـا فكانـت لطيفـة مرحــة طيبــة القلــب مخلصــة ومطيعــة، بيــد أنهــا كانــت كثيــرًا مــا تبكــي بحرقــة، وعذبــت أكثــر مــن كل رفاقهــا حتــى تســلخ جســدها مــن أثرالســياط، ال إلهمــال أو عصيــان، وإنمــا ألن قدرهــا أوقــع بهـا لتكـون أَمـة لسـيد شـهواني نهـم يسـتغلها، وسـيدة طيبـة وعطوفـة، لكنهـا كانـت مشـتعلة الغيـرة بسـبب مـا تعرفـه مـن سـلوك زوجهـا، حتـى إنهـا حاولـت غوايتـي بالرشـوة ألقتلهـا وأخفـي جثتهـا فـي المسـتنقعات، وكثيـرًا مـا كانـت نهبًــا للضطهـاد والتعذيـب بـا أي ذنـب وإنمـا إلرضـاء السـيدة. لكـن أبشـع حـدث شـيطاني كان حيـن اتهمهـا بالذهـاب إلـى بيـت صاحـب مزرعـة مجـاورة، وأمرنـا بـدق أربعـة أوتـاد فـي األرض حـدد أماكنهـا، وتجريدهـا مـن ملبسـها تمامًــا وتمديدهـا علـى وجههـا علـى األرض، وتقييـد يديهـا ورجليهـا باألوتـاد، ثـم أعطانـي سـوطًا ثقيـا وأمرنـي بجلدهـا. لـم أكـن أملـك عصيـان أوامـره رغـم شـدة مرارتهـا، حتـى تمـزق جلدهـا الدامـي وبـدت كالمحتضـر، فتوقفـت، فسـبني وهددنـي واختطـف السـوط وانهـال عليهـا. كان قلبـي يتمـزق إشـفاقًا عليهـا، ولـم أكـن أسـتطيع إال أن أردد فـي ضميـري: “ أيهـا الشـيطان، عاجـا أو آجـاً، فـي مـكان مـا فـي مسـار العدالـة األبديـة، سـوف تدفـع ثمـن ذنوبـك هـذه!” ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مــرت األيــام ثقيلــة حافلــة بشــقاء األعمــال المتعــددة والتعذيــب والقهــر، وطوالهــا لــم يكــف أو يفتـر تفكيـري فـي أسـرتي وحريتـي، وفـي حلـم أن تسـنح فرصـة للفـرار واالتجـاه شـما ً، أو إلرسـال رسـالة اسـتنجاد إلنقـاذي. ولقـد حاولـت مـرارًا، وحمـدا للخالـق لـم تنكشـف محاوالتـي. مـرة أبـدى بَحّــار مــن الشــمال صاحــب ســفينة نقــل تعاطفًــا نحــوي حتــى إننــي صارحتــه بمأســاتي ورجوتــه أن يسـمح لـي باالختبـاء وسـط البضائـع، لكنـه خشـي كشـف ضُبـاط مصلحـة الجمـارك األمـر، وهـو مـا يعرضـه للعقـاب ومصـادرة سـفينته. ومـرة احتلـت حتـى حصلـت علـى ورقـة وصنعـت حبـرًا وكتبـت رســالتي وكــدت أســلمها لرجــل أبيــض رقيــق الحــال كان يبحــث عــن وظيفــة مُشْــرِف وبقــي معنــا بضعــة أيــام، وأدرك متعاطفًــا اختلفــي عــن العبيــد اآلخريــن، فأبديــت لــه رجــاء بــأن يوصــل فــي
11 | اثنا عشر عامًا من العبودية
Powered by FlippingBook