السـر رسـالة منـي إلـى مكتـب البريـد فـي المدينـة، ووعدنـي بـأن يفعـل. وحسـنًا أننـي لـم أصارحـه بقصتـي، فقـد ألمـح لسـيدي بـأن بيـن عبيـده مـن يكتـب ويحـاول الفـرار، واسـتجوبني إبـس فأنكـرت بشـدة وقلـت إنـه يحـاول التقـرّب منـك لتعيينـه مشـرفًا، فبـدا ميـا لهـذا التفسـير، لكنـه هددنـي بأنـه سـيجلدني مئـة جلـدة إن رأى ورقـة عنـدي. وطبعـا أسـرعت بعدهـا بإحـراق الرسـالة. بمــرور األيــام، عرفــت قصصًــا كثيــرة مختلفــة النتائــج عــن خلفــات عنيفــة بيــن اثنيــن مــن المُــاك البيـض انتهـت بقتـل أحدهـم، وعـن محـاوالت بعـض العبيـد الفـرار مـن جلديهـم، ونجاح نـدرة منهم فـي ذلـك، ومـوت آخريـن فـي الغابـات والمسـتنقعات، بـل عرفـت قصصًــا لبعضهـم تمـرد مـن شـدّة التعذيـب، وضـرب المشـرف، أو قتـل سـيده، فأعـدم أمـام رفاقـه. وقـد كانـت هنـاك قصـة مثيـرة تناولتهـا الصحـف عـن حركـة تجمـع للعبيـد قادهـا رجـل مغامـر، أشـاعت الذعـر بيـن البيـض والسـود علـى السـواء، وانتهـت بالفشـل واإلعـدام العشـوائي بـدون محاكمـة، لـوال وصـول مجموعـة مـن الجنـود النظامييـن لضبـط األمـور. وكانـت هـذه األحـداث تجعلنـي أفكـر فـي مأسـاة العبوديـة ومـا تولـد مـن عنـف ووحشـية واسـتهانة بالحيـاة البشـرية، نتيجـة مـرأى البشـر فـي معاناتهـم اليوميـة، واالسـتماع إلـى صرخـات العبيـد المؤلمـة، ورؤيـة أجسـادهم تتلـوى تحـت وطـأة الجلـد بـا رحمـة، وعضهـم وتمزيقهـم بأنيـاب الـكلب، وموتهـم ودفنهـم بـا أكفـان. كانــت األفــكار الســائدة تنظــر إلــى المأســاة باعتبارهــا مــن طبيعــة العبيــد وجهلهــم وهمجيتهــم وقصور إنسانيتهم، وكنت أقول في ضميري: ليتهم يتعرفون على مكنون قلب العبد المسكين، ويطلعـون علـى أفـكاره التـي ال يجـرؤ علـى التفـوه بهـا فـي حضـرة الرجـل األبيـض، ليتهـم يجلسـون إلـى جـواره فـي المراقبـة الليليـة، ويتحدثـون إليـه بصـدق عـن الحيـاة والحريـة والسـعي إلـى تحقيـق السـعادة اإلنسـانية، فإنهـم سـيجدون أن تسـعة وتسـعين فـي المئـة مـن العبيـد أذكيـاء بمـا يكفـي لفهـم حقيقـة وضعهـم، وكيـف أنهـم يتوقـون مثـل كل البشـر إلـى الحريـة والعدالـة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كانـت فتـرة الراحـة الوحيـدة التـي يسـمح للعبـد بهـا فـي السـنة بأكملهـا هـي عطلـة عيـد الميـاد، وكان إبـس يمنحنـا فيهـا ثلثـة أيـام، بينمـا كان آخـرون يسـمحون بأربعـة وخمسـة وسـتة أيـام، كل وفـق درجـة كرمـه، وكانـت تلـك أوقـات الوالئـم والرقـص والمـرح واألعيـاد ألبنـاء العبوديـة، وكان مـن المعتـاد أن يتنـاوب المزارعـون إقامـة مأدبـة عشـاء ليلـة الميـاد، ويدعـو إليهـا عبيـده والعبيـد مــن المــزارع المجــاورة، فيجتمــع فيهــا مــن ثلثمئــة إلــى خمســمئة شــخص، وتمتــد المائــدة فــي الهــواء الطلــق فوقهــا صنــوف اللحــم والخضــراوات والكعــك والفطائــر ممــا ال يتذوقونــه طــوال
12 | اثنا عشر عامًا من العبودية
Powered by FlippingBook