اثنا عشر عامًا من العبودية

األجـراس، واكتسـت الشـوارع باألسـود الـذي يرتديـه النـاس، وشـاهدت مـع رفيقـي الموكـب، ثـم تجولنــا فتــرة، وعمــد رفيقــاي إلــى دخــول الحانــات عــدّة مــرات، وتقديــم كأس لــي، وفــي الليــل لـم أسـتطع تنـاول العشـاء وأصبـت بالغثيـان، فقادنـي الخـادم إلـى غرفتـي، فـزادت حالتـي سـوءًا، وأبلغـت بضـرورة الذهـاب إلـى طبيـب، واقتادونـي وأنـا شـبه مغمـى علـي إلـى الشـارع وإلـى بيـت مظلــم، ثــم فقــدت الوعــي، وال أدري كــم مــن الوقــت واأليــام مــرّا علــي، ولكــن عندمــا عــاد إلــي الوعــي كنــت بمفــردي فــي ظــام حالــك ومقيــدا باألغــال.. مذهــو وفزعًــا تحسســت جيوبــي بقــدر مــا ســمحت قيــودي، فلــم أجــد شــيئًا مــن أوراق حريتــي أو مالـي، وسـرعان مـا أدركـت أننـي اختطفـت، وشـيئًا فشـيئًا تأكـدت شـكوكي، وانقبـض صـدري عاجــزًا، وحنيــت رأســي فــوق يــدي المقيدتيــن وبكيــت فــي مــرارة وعــذاب.. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مـن الظـام المطبـق، والرطوبـة والرائحـة العفنـة، وأصـوات حركـة وأقدام فوق المكان، اسـتنتجت أننـي فـي غرفـة تحـت األرض فـي بيـت بشـارع تجـري فيـه العربـات. وبعـد سـاعات فتـح بـاب قـوي فسـرَى فيـض مـن الضـوء، ودخـل رجـان: أحدهمـا ضخـم الجثـة قـوي البنية ملمحه خشـنة تعبّرعن شـدة القسـوة والشـر، عرفــت فيما بعــد أنه تاجر رقــيق معــروف في واشـنطن، واآلخر كان خادمًا لـه وسـجانًا، كمـا عرفـت أن البيـت يتألـف مـن طابقيـن، بأحـد الشـوارع العامـة بواشـنطن، واجهتـه توحـي بأنـه مجـرد مسـكن خـاص هـادئ، فـا تخطـر ببـال أي غريـب طبيعـة اسـتخداماته المقيتـة كحظيـرة وسـجن يحتجـز فيـه العبيـد. كانـت مفارقـة غريبـة أن هـذا المنـزل يطـل مـن مكانـه علـى مبنـى الكابيتـول، حيـث أصـوات ممثلـى الشـعب الذيـن يتباهـون بالحريـة والمسـاواة، تـكاد تختلـط بقعقعـة أصفـاد العبيـد البؤسـاء فـي تلـك الحظيـرة.. بـدأ الرجـل الضخـم الـكلم، ودار حـوار، هـو يؤكـد أننـي عبـد لـه وأنـه اشـتراني وسـيبيعني، وأنـا أؤكـد صارخًــا أننـي حـر ولـي زوجـة وأبنـاء أحـرار. وأمـام إصـراري دخـل فـي حالـة عصبيـة هـادرة وراح يسـبني بأقـذع الشـتائم، وأمـر خادمـه بإحضـار العصـا والسـوط، وهمـا أدوات التعذيـب الوحشـي، وأمسـكا بـي وأنـا مقيـد ووجهـي علـى األرض، وانتزعـا ملبسـي، وانهالـت الضربـات علـى جسـدي العـاري، وكلمـا صرخـت ألمًــا وإصـرارًا اشـتد الضـرب، حتـى انكسـرت العصـا، فأمسـك بالسـوط ذي الجدائـل المتعـددة بعقـد فـي نهاياتهـا، وانهـال بـه علـى جسـدي بوحشـية، وكان أشـد إيلمًــا وكأن حريقًــا قــد نشــب فــي لحمــي وعظمــي، حتــى بــدا أن لحمــي الممــزق ينتــزع عــن عظمــي مــع كل ضربــة، ولمـا تعـب توقـف صارخًــا مقسـمًا أنـه إمـا أن يكسـر عزيمتـي أو يـدق عنقـي، وخـرج وخادمـه خلفـه

4 | اثنا عشر عامًا من العبودية

Powered by