اثنا عشر عامًا من العبودية

وأغلــق البــاب، وأطبــق علــي الظــام. وبعــد نحــو ســاعة فتــح البــاب ودخــل الخــادم وقــدم لــي قطعـة صغيـرة مـن لحـم الخنزيـر وشـريحة خبـز وكـوب مـاء، وحذرنـي مصطنعًــا السـرية والـود مـن مغبـة ذكـر كلمـة عـن حريتـي.. ومـرت األيـام والليالـي وانـا أبكـي وأتعـذب بسـبب جروحـي التـي لـم تكـن تسـمح لـي بالبقـاء فـي أي وضــع، جالسًــا أو واقفًــا أو متحــركًا ببــطء فــي أرجــاء الغرفــة المظلمــة. وبعــد عــدة أيــام فتــح البــاب، وســمح لــي بالحركــة فــي الفنــاء، حيــث قابلــت ثلثــة مــن العبيــد: صبيًــا فــي العاشــرة مــن عمـره يدعـى رانـدال، وشـابين أكبرهمـا تقـرب إلـي بتعاطـف، حتـى إننـي رويـت لـه قصتـي الحزينـة، فنصحنـي بالصمـت مـن اآلن فصاعـدًا عـن موضـوع حريتـي، وأكـد لـي بنـاء علـى تجاربـه ومعرفتـه بمالكنــا، أننــي لــن ألقــى إال مزيــدًا مــن التعذيــب. ظللـت فـي حظيـرة العبيـد نحـو أسـبوعين، وفـي الليلـة األخيـرة ضُمـت إلينـا امـرأة تدعى إليـزا، تبكي بمــرارة وهــي تجــر فــي يدهــا طفلــة صغيــرة. كانتــا أم الصبــي رانــدال وأختــه غيــر الشــقيقة، فــكان لقاؤهـم مؤثـرًا وباكيـًـا خشـية بيعهـم متفرقيـن. كانـت المـرأة متميـزة بمسـحة مـن الجمـال وكانـت الطفلــة جميلــة حقًــا بمــا يوحــي أنهــا نشــأت فــي بيئــة راقيــة. فيمــا بعــد روت لــي إليــزا قصتهــا: كانـت أَمـة بيـن عبيـد رجـل ثـري فاسـق كان يسـتغلها، فخصـص لهـا منـز فـي مزرعتـه عاشـت فيـه معـه تسـع سـنوات وكانـت الطفلـة الجميلـة ابنتـه، وكان يعدهـم بعتقهـم، لكـن ظروفـه تغيـرت وقُسـّـمت أملكـه وبيعـت إليـزا وابنهـا وطفلتهـا، فسـقطت مـن قمـة السـعادة إلـى أعمـق أعمـاق البـؤس، فـا عجـب أنهـا كانـت دائمـة العويـل والبـكاء بعبـارات تدمـي القلـب. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ فـي منتصـف الليلـة األخيـرة لنـا فـي حظيـرة العبيـد، فُتـح البـاب، وأُمرنـا أن نطـوي فرشـنا ـ وهـي أغطيـة كتلـك التـي توضـع علـى ظهـور الجيـاد ـ ورُبطنـا معـا بأصفـاد األيـدي، واقتادونـا فـي هـدوء الظــام عبــر شــوارع واشــنطن إلــى عنبــر فــي باخــرة، أبحــرت بــدون أن نعــرف إلــى أيــن. كان كل تفكيـري أن أغتنـم فرصـة تسـنح لـي للهـرب. وبحلـول الضحـى وصلـت الباخـرة إلـى بلـدة، حيـث ركبنـا عربـة أخذتنـا إلـى ريتشـموند، المدينـة الرئيسـة فـي فيرجينيـا، ووضعنـا فـي حظيـرة للعبيـد بهـا فنـاء لفحصهـم مـن قبـل المشـترين قبـل عقـد الصفقـات. بعـد عشـاء قطعـة مـن لحـم الخنزيـر وشـريحة خبـز، قُيّــدت إلـى رجـل ضخـم شـاحب حزيـن، الحظـت فيـه الـذكاء والمعرفـة، وسـرعان مـا تعاطفنـا وعرفـت أنـه مثلـي حـر ولـه زوجـة وطفـان، وأنـه جـاء مـع رجليـن اسـتأجراه لعمـل، فجـرى لـه مـا جـرى لـي مـن اعتقـال وأسـر وتعذيـب، حتـى تعلـم ضـرورة

5 | اثنا عشر عامًا من العبودية

Powered by