الصمـت. وكان محزنًــا أنـه مـا لبـث أن مـرض وتوفـي حزينًــا باكيًــا. كان فــي الحظيــرة نحــو ثلثيــن عبــدًا آخريــن كان لــكل منهــم قصــة محزنــة، وتــم بيعهــم الواحــد تلـو اآلخـر، أمـا نحـن فقـد اقتادونـا إلـى سـفينة كبيـرة، وفـي أحـد المراسـي ضُــم إلينـا أربعـة عبيـد، أحدهـم كان ثائـرًا، عرفـت أنـه حـر مثلـي ولـه أسـرة ويعمـل بنـاء، ولكنـه تعـرض فـي إحـدى الليالـي لهجـوم وحشـي واختطـف وعـذب، ثـم أصابـه اليـأس واالكتئـاب. وممـا ال أنسـاه أننـا انخرطنـا مـع عبـد ثالـث يعـرف الكثيـر عـن السـفينة وبحارتهـا فـي التفكيـر فـي محاولـة الهـرب باالسـتيلء علـى السـفينة، لكنـه مـرض بالجـدري ثـم توفـي، وألقيـت جثتـه فـي النهـر. كذلـك ممـا ال أنسـاه أن أحـد البحــارة تعاطــف معــي بصــدق حتــى إننــي صارحتــه بقصتــي، فســاعدني علــى كتابــة رســالة إلــى أهلـي، واسـتطاع فـي أحـد المراسـي بسـرعة واحتيـال أن يرسـلها بالبريـد. وقـد عرفـت بعـد ذلـك أنهـا وصلـت، ولكـن خلوهـا مـن أي معلومـات مفيـدة عـن مكانـي المحتمـل جعـل الحاكـم يـرى أن مــن المستحســن والمصلحــة تأجيــل أي تصــرف بشــأنها. مـن السـفينة أخذنـا إلـى حظيـرة كبيـرة فـي نيوأورليانـز، تضـم نحـو خمسـين عبـدًا، ال يتوقـف سـبهم وركلهـم وفرقعـات السـياط فـوق أجسـادهم. وكان األمـر المشـدد لـي أن أنسـى حياتـي السـابقة واسـمي، وأعطيـت اسـم بـات الـذي الزمنـي طـوال سـنوات محنـة العبوديـة. وفـي اليـوم التالـي جــاء الزبائــن وأخــذوا يســتعرضون البضاعــة: أجســادنا وأســناننا كمــا تفحــص الجيــاد عنــد شــرائها، وأحيانـا كان يؤخـذ بعضنـا مـن الرجـال والنسـاء إلـى منـزل فـي الحظيـرة ليفحصـوا عـراة تمامـًـا. وكان أقسـى األحـداث فـي ذلـك اليـوم هـو بيـع الصبـي رانـدال، وانتزاعـه مـن حضـن أمـه إليـزا وهـي تبكـي وتولـول بحرقـة، وسـيدها يهددهـا بسـوطه. بعــد أيــام مرضــت فيهــا ثــم تعافيــت، كان نصيبــي أن اشــتراني ـ ومعــي إليــزا بــدون طفلتهــا ـ رجــل حسـن المظهـر لطيـف السـمات، وكانـت لحظـة رحيلنـا معـه بـدون الطفلـة الجميلـة مروعـة تحـرق القلـب. لقـد رأيـت مـن قبـل أمهـات يقــبّلن بحـزن وبـكاء وجـوه الموتـى مـن أبنائهـن، ولكننـي لـم أر قــط مشــهدا بمثــل هــذا الحــزن الدفيــن والعظيــم الــذي ال حــدود لــه، عندمــا فارقــت إليــزا ابنتهــا انتزاعًــا وهمـا متشـبثتان تصرخـان وتبكيـان بحرقـة. لــم تــر إليــزا البائســة ابنهــا أو ابنتهــا ولــم تســمع عنهمــا بعــد ذلــك مطلقًــا، لكنهمــا لــم يغيبــا عــن خاطرهـا لحظـة واحـدة ليـا أو نهـارًا، بـل كانـت تتحـدث إليهمـا فـي حقـل القطـن وفـي الكـوخ وفـي كل مـكان. كان ســيدنا الجديــد اســمه وليــام فــورد، ويعيــش فــي أبرشــية فــي قلــب لويزيانــا، وصــار واعظًــا
6 | اثنا عشر عامًا من العبودية
Powered by FlippingBook