اثنا عشر عامًا من العبودية

الجديـد بتثبيـت ألـواح مـن الخشـب، ونفـذت أوامـره، ولكنـه بطبيعتـه العدوانيـة لـم يعجبـه عملـي وراح بانفعـال يسـبني سـبًا بذيئًــا، ثـم ركـض صـوب المنـزل وأحضـر سـوطًا غليـظ الجدائـل، وأمرنـي بخلـع ملبسـي ليجلدنـي. لـم أكـن قـد أخطـأت أو قصـرّت، فتحـول خوفـي وخضوعـي إلـى غضـب، ورفضـت خلـع ملبسـي، فاشـتعل انفعالـه ورفـع السـوط، وقبـل أن يهـوي بـه علـى جسـدي لـم أملـك نفسـي وبشـبه جنـون دفعتـه بقـوة فسـقط علـى األرض، وانهلـت عليـه ضربـًـا بالسـوط، وهو يصيـح سـبًا وتهديـدًا حتـى خـرج المشـرف شـابين مـن المنـزل وأقبـل مسـرعًا، فرويـت لـه مـا حـدث، فتعاطـف معـي ووجـه اللـوم إلـي تيبيتـس الـذي قـام وامتطـى جـواده وهـو يتوعـد وابتعـد. نظـر إلـى شـابين وأمرنـي بـأال أبتعـد أو أفكـر فـي الهـرب ودخـل المنـزل، عندئـذ أدركـت فداحـة وشـناعة مــا فعلــت، وانتابنــي شــعور جــارف ومؤلــم بالنــدم، ولــم أملــك إال أن وضعــت رأســي بيــن يــدي وبكيــت، وعندمــا رفعــت رأســي رأيــت تيبيتــس ومعــه رجــان علــى جيادهــم قادميــن، ثــم ترجلــوا واقتربــوا وفــي أيديهــم الســياط وحبــل ملفــو. لــم أبــد أي مقاومــة وهــم يقيــدون كل أعضائــي بالحبــل، الــذي كان ينتهــي بأنشــوطة وضعاهــا حــول عنقــي، ثــم ســأل أحــد الرجليــن: أيــن ســنعلق هــذا الزنجــي؟ وبينمــا كانــوا يجروننــي إلــى إحــدى األشــجار الكبيــرة، خــرج المشــرف شــابين يحمــل مسدسـين فـي يديـه، وبلهجـة حاسـمة قـال: أيهـا السـادة، اسـمعوا مـا أقـول، مـن سـيحاول تحريـك هــذا العبــد قيــد أنملــة فســيموت فــي مكانــه. إنــه ال يســتحق هــذه المعاملــة، فلــم أعــرف قــط فتـى أكثـر إخلصًــا منـه، وأنـا المشـرف علـى هـذه المزرعـة، وأنـا السـيد هنـا ممثـا لويليـام فـورد ومــن واجبــي حمايــة مصالحــه. وفــي ختــام كلمــه الحاســم لــوح بالمسدســين قائــاً: اذهبــوا مــن هنــا فــي التــو واللحظــة. وفعــا وبجبــن ظاهــر امتطــوا جيادهــم واختفــوا. تركنــي شــابين مقيــدًا وكان منـذ بدايـة االعتـداء قـد أرسـل فتـى السـتدعاء السـيد فـورد الـذي جـاء مسـرعًا وحيـن رآنـي قـال: مسـكين بـات، أنـت فـي حالـة مزريـة. مــن تلــك اللحظــة، صــار معروفًــا تربــص الســيد تيبيتــس وتحينــه فرصــة للغــدر واالعتــداء علــي أو قتلـي، فصـرت حـذرًا خائفًــا ليـل نهـار، حتـى اختلـق فرصـة وراح يسـبني منفعـا ثـم أمسـك بفـأس صغيـرة واندفـع نحـوي وهـو يقسـم بـأن يكسـر رأسـي. كانـت تلـك لحظـة حيـاة أو مـوت، فألهمـت بمواجهتـه بركلـة عنيفـة مفاجئـة أوقعتـه، وانتزعـت الفـأس مـن يـده ورميتهـا بعيدًا، فأمسـك بعصا غليظــة وقــد ازداد شراســة، فأمســكته مــن خصــره بقــوة وانتزعتهــا مــن يــده، فاندفــع وأمســك ببلطــة فقبضــت علــى عنقــه وضغطــت حتــى أفلتهــا. فــي تلــك اللحظــات كان هنــاك شــيطان كامـن فـي قلبـي يحثنـي علـى قتلـه قبـل أن يقتلنـي، لكـن همـس صـوت بداخلـي أن ألـوذ بالفـرار، فأطحـت بـه وقفـزت فـوق سـياج المـكان واختفيـت فـي المـزارع. كنـت بائسًــا نهبـًـا لخواطـر شـتى، وروحــي تدعــو خالقــي فــي صمــت: يــا إلهــي، أنــت مــن وهبتنــي الحيــاة وغرســت فــي قلبــي حــب

8 | اثنا عشر عامًا من العبودية

Powered by